إرهاصــات ولادة المحــور العالمــي ضـد أميركـا.
د.نسيب حطيط
بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي العام1990ولدت الأمبراطورية الأميركية بواسطة(السلاح)المتعدد الوسائل العسكرية والإقتصادية والمؤسسات الدولية وشبكات التواصل الإفتراضي(الفايسبوك وتويتر) لبسط سيطرتها على العالم كقوة وحيدة،مع (عكاز)أوروبي يمثل البطانة أو الحاشية الدولية(للمعلم)الأميركي وبعض الأذناب والتابعين من رؤساء وملوك وأمراء،وتيارات سياسية وشخصيات إعلامية وفكرية وسياسية تمثل(عدة الشغل)الأميركي وفق مستوى الساحة ومتطلباتها والتي تتدرج من ساحة محلية على مستوى الدولة أو مستوى الإقليم أو الساحة الدولية ضمن قاسم مشترك عبر منظومة تنفيذ الأوامر والتعليمات دون المشاركة في القرار،لتوفير القناع الدولي أو الغطاء بما يسمى(التحالف الدولي)أو مجلس الأمن أو مجلس حقوق الإنسان أو المحاكم الدولية القديمة أو الحديثة التي تحمل صفة(الخاصة)كمحكمة لبنان ومحكمة يوغوسلافيا ومحكمة رواندا أو غيرها والتي تغطي منطقة الفراغ أو الثغرات التي تعتري المحكمة الجنائية الدولية.
لكن الملفت والذي يثير الإعتزاز والفخر،أنه بعد سقوط (الأمبراطورية)العظمى(الإتحاد السوفياتي)وصمت الصين،وتساقط الدول والمنظومات السياسية وإستباحة العالم أميركيا،فإن فئة قليلة من حركات المقاومة في الشرق الأوسط(لبنان-فلسطين والعراق) تساندها دولتان وحيدتان هما سوريا وإيران،إستطاعت زعزعة القوة الأميركية والإسرائيلية،وأسقطت مشاريع الغزو والإحتلال بأقل من عشر سنوات وهذه أقصر فترة زمنية تستطيع فيها الحركات الثورية المقاومة من هزيمة المستعمرين والمحتلين وخاصة في التاريخ الحديث، حيث كان عمر سلطات الإحتلال والإستعمار يتجاوز100عام حتى400عام أو عشرات السنين سواء في الحروب الصليبية أو الإحتلال العثماني أو الإستعمار الفرنسي والإنكليزي،وآخر مثال لا زال مستمرا هو الإحتلال الإسرائيلي منذ العام1948.
وإستطاع (تجمع الحصى الصغيرة )من حركات المقاومة أن يحرف النهر الإستعماري ومشاريعه ويقسمه سواء في صفقة لا تمتلك القوة الكافية لجرف معارضيها والمقاومين،بل وتساقطت مراكب ويخوت(العائلات الحاكمة)الحليفة لأميركا والمهادنة لإسرائيل مثل مبارك في مصر،وبن علي في تونس،والقذافي في ليبيا،ويترنح نظام آل خليفة في البحرين،وتعيش بقية الأنظمة الحليفة حالة القلق والخوف من وصول الحراك الشعبي إلى ساحاتها الهشة والضعيفة والتي تستجدي البقاء بالمساعدة الأميركية ومصادرة الثروات والقمع.
إن فشل مشروع الشرق الأوسط الجديد بعد إنتصار المقاومة في لبنان عام2006 و في غزة عام2008،وصمود إيران وسوريا،ساهم في تحفيز وتشجيع القوى الصامتة والمؤهلة(روسيا والصين)ودول البريكس(روسيا-الصين-الهند-جنوب أفريقيا والبرازيل)للتحرك لحجز مقعدهم العالمي وتأمين مصالحهم على مستوى العالم خاصة وأنهم يشكلون أكثر من50% من سكان العالم،كل وفق مصالحه وأهدافه،مع قاسم مشترك أن العدو الأوحد الذي يهددهم آحاديا على المستوى السياسي والإقتصادي والعسكري،هو أميركا فاجتماع هؤلاء بعنوان حفظ المصالح والتعاون مما جعلهم تلقائيا بمواجهة الأطماع والتهديدات الأميركية في لحظة مناسبة للمواجهة حيث تعيش الإدارة الأميركية وحلفائها الأوروبيين ،مأزق الإنهيار المالي في أزمة حقيقية وكذلك حالة الفشل والهزيمة العسكرية في العراق(الإنسحاب الأميركي)والإرباك والإستنزاف في أفغانستان مما إستوجب التحرك السريع للمواجهة،ورمي الأوراق الضاغطة بما فيها العسكرية على ساحة المفاوضات غير المباشرة، وكانت سوريا هي ساحة المواجهة الحقيقية بين هذين المحورين بالتكافل والتكامل مع إيران وقوى المقاومة،ومن خلالها إستعاد الروس والصينيون نفوذهم وهيبتهم الدولية في مجلس الأمن بعدما جلسوا في مقاعده طوال عقدين بمستوى أصغر دولة في العالم يصوتون لما تأمر به أميركا وشركائها،لكنهم لقموا مدافعهم الدبلوماسية وأطلقوا(الفيتو المزدوج)لعدم إستفراد سوريا أو خداعهم كما حصل في ليبيا،وبدأت الأنياب والمخالب الإقتصادية والعسكرية والسياسية،بالظهور لإستعادة الثقة والدور وتأمين المصالح في منطقة تختزن50%من النفط العالمي و70%من الغاز لما يمثلان من(روح)للإقتصاد العالمي و تحديد نفوذ وقوة أي دولة.
لقد أدى صمود محور المقاومة إلى توسيع مروحة المنضمين إليه بعدما راهنت أميركا وحلفاؤها وأتباعها على سحقه بحساباتها المادية الضعيفة،لكنها فوجئت أن تكامل الإدارة والعقيدة مع الوسائل المادية الدفاعية كفيلة بتحقيق الإنتصار وعدم الهزيمة ،والقدرة على عرقلة المشروع الأميركي وتشتيته على طريق هزيمته أو الحد من إنتشاره وإرجاع العالم إلى حقبة( توازن القوى)وفق منظومة الحرب الباردة،وهذا ما سيحمي الدول الضعيفة ويحمي حركات المقاومة من الحصار،وتحقيق الحد الأدنى من توازن الرعب الذي سيؤدي إلى تحقيق الحد الأدنى من العدالة والحرية أو على الأقل تقييد الجلاد والمستعمر، وحماية الأمة والكرامة والثروات،لإعادة بناء الهوية وحماية الماضي والمستقبل وإستعادة الحقوق.
لذا فإن الأشهر القادمة ستكون حارة الأحداث ومكثفة المواقف بعيدا عن القفازات والتعابير الدبلوماسية وفق فعاليات المواجهات المباشرة لحسم تقاسم العالم من جديد ،فإما أن نكون(بيتزا) أميركية أو تحتفظ الشعوب والأمم بسيادتها وكرامتها... ثقتنا بالله سبحانه وبشعوبنا ومقاومتنا كبيرة ولنا أمل بأننا سننتصر.
بيروت في 12/12/2011 سياسي لبناني*
www.alnnasib.com